أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الحاج/ موسى إسماعيل حسن كريزم فدائي فلسطيني عرف عنه برجل الحسم والحزم

بقلم/ محمود روقة " أبو صخر " ُلِدَ الحاج/ موسى كريزم بتاريخ 25 مايو/ أيَّار 1926م في قرية "هربيا" الواقعة في قضاء #غزة، على بعد 15 كم من مدينة غزة شمالاً، تطل على البحر الأبيض المتوسط غرباً. تزوج والده اسماعيل حسن #كريزم ثلاثاً، فغدا للحاج موسى أخوة من زوجة أبيه الأولى: (حسن وعلي)، ومن زوجة أبيه الثانية: (أخويه، عبد القادر وذياب وأخته فاطمة)، وأشقائه من أمه - الزوجة الثالثة لأبيه - (خالد ومصباح وثلاث شقيقات)، كان هو أوسطهم.  من عائلة مزارعة، حيث كان والده (إسماعيل) مزارعاً في بيارته، التي كانت كما بيارات #هربيا والقرى المجاورة تختص بزراعة الحمضيات وفي مقدمتها البرتقال والليمون، وأنواع فواكه أخرى، كما زراعة القمح والشعير في الأراضي التي كان يسمونها (المارس)، إذ كان الأبناء يزرعون ويفلحون مع والدهم. إلتحق الطفل موسى بمدرسة القرية، ولم يرق له مدرس الصف، وليترك المدرسة مبكراً، فعلم نفسه بنفسه واستطاع مع أخيه الأصغر، الذي وصل الصف الرابع الابتدائي أن يتمكن من القراءة والكتابة، رغم أنه ظل ملازماً لوالده في البيارة والحراثة والزراعة والحصاد، فكان الأفطن والأنجح من بين اخوته وأقرانه.  كبر الفتى موسى وراح مع أصحابه يشاكسون الإنجليز في معسكرهم القريب، متسللين إليه ليلاً ويأخذون ما يقع تحت أيديهم من غنائم. تمر الأشهر ويتزوج الشاب موسى من صاحبة النصيب "آمنة أحمد حسين سالم" ، ابنة قرية "الجية" في يوليو/ تموز 1945م، ويواصل الشاب حياته مع عروسه في الأسرة الكبيرة، يعيشون حياة القرى والمدن الفلسطينية تحت بؤس الانتداب البريطاني وهجمات العصابات الصهيونية، التي بدأت تتململ لتنفيذ مخططها العدواني. وقعت #نكبة_فلسطين سنة 1948م، وعلى إثرها هُجِّرَتْ الغالبية العظمى من السكان، فكانت وجهة عائلة الحاج موسى إلى غزة جنوباً، فسكنوا "حي الصبرة"، وفي هذه الأثناء، مرضتْ والدته، فباع فرسه مُضطراً، رغم أنها كانت من أعز ما يملك، فكانت تعني له الكثير، باعها ليشتري لوالدته العلاج والدواء.   اعتاد الناس في سنوات اللجوء الأولى أن يعودوا إلى قراهم المجاورة ويجلبوا ما تبقى من أشيائهم وخزائن طحينهم وقمحهم وشعيرهم... إلخ، ذات مرة وهم عائدون من هريبا انفجر لغم فيهم، فأصاب والده وأخاه الصغير "مصباح"، وتمت معالجتهما في مستشفى غزة، ويتوقف التسلل الشعبي العشوائي باتجاه القرى المُهجَّرة، وسكنت الأوضاع قليلاً.  جاءت الوكالة (الأونروا) وتكفلت بمساعدة وتشغيل اللآجئين الفلسطينيين فأنشأت مخيمات الكرميد ومنها مخيم الشاطئ في العام 1951م، فانتقلت إليه العائلة، وأصبحت تحمل كما غيرها من العائلات الفلسطينية اللآجئة بطاقة لآجىء، يحصلون من خلالها على التموين الغذائي والصحة والتعليم وأمور حياتية أخرى.  لم تمضِ سنوات طويلة، وبسبب ضيق وضنك الحياة في المخيم وقلة فرص العمل، قرر الشاب موسى السفر إلى المملكة العربية السعودية كما الكثير من أبناء قطاع غزة آنذاك في العام 1954م، فعمل هناك نجاراً...، إلا أنه لم يلبث طويلاً، ليقرر العودة إلى القطاع بعد أداء فريضة الحج والطواف بالكعبة المشرفة، ومن يومها أصبح الكل ينادونه بالحاج موسى. كان قطاع غزة يموج بالعمل السياسي والعسكري، فانضم الحاج موسى لمجموعات العمل الفدائي تحت قيادة البطل المصري "مصطفى حافظ" إذ كانوا يحرسون الحدود الشمالية للقطاع، بل ويدخلون في عمق الأرض المحتلة شمالاً، ينفذون أعمالاً فدائية ضد أهداف إسرائيلية... وهكذا، إلى أن شنت إسرائيل وفرنسا وبريطانيا عدوانها الثلاثي في سنة 1956م على مصر وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية آنذاك، فاحتلته إسرائيل قرابة الأربعة أشهر، حيث غاب الحاج موسى طوال تلك الفترة، ليعود بعد جلاء القوات الإسرائيلية عن القطاع وعودة الإدارة المصرية في يوليو 1957م.  فكر الحاج موسى بعمل إضافي إلى جانب عمله الحكومي، ومن هنا جاءت فكرة انشاء المقهى، الذي كان قريباً من شاطئ البحر ويعمل به عامل واحد فقط ويفتح بعد الظهر، وظل كذلك إلى أن حصل الحاج موسى على قطعة أرض، أقام عليها المقهى وبيت العائلة، وغدا المقهى عنواناً ومعلماً مشهوراً في المخيم حتى يومنا الحاضر (قهوة كريزم)، حيث يقع في الجزء الغربي من شارع حميد، ليس بعيداً من مدرسة العالية للبنات. واجه الحاج موسى الصعاب في بناء المقهى، فمن ناحية مشكلة المياه، إذ لم تكن قد مُدَّتْ شبكة المياه، كما أن غياب الكهرباء، كانت المشكلة الثانية، أما مشكلة المشاكل فكانت رخصة العمل ووجود المقهى في هذا المكان، إذ كانت هناك بعض الاعتراضات من محيط المقهى، إلا أن الحاج موسى استطاع التغلب عليها كلها. بنى خزان مياه، إذ كان يملأه بالماء بواسطة نقله بالصفائح (تنك الصفيح) بالأجرة، وأنار المقهى ليلاً بكهارب الكاز ذات الشنبر (اللوكس)، كما تغلب على منع العمل وحصل على الرخصة وافتتح المقهى رسمياً في العام 1961م.  كان مقهى كريزم محطة للقاء الشباب وصُحبة البلاد، الذين وجدوا فيه امتداداً للتواصل مع الأخبار والثقافة طوال اليوم، وكانت كهاربه تشع بنورها لتُضيئ الحارة كلها، فكان المكان مؤنساً بحركة الداخلين والخارجين والجالسين في المقهى حتى منتصف الليل، فكانت الجلسة الداخلية (داخل المقهى) والجلسة الخارجية (المعرش) خارج المقهى، ويتسابق الشباب والرجال لحجز أماكنهم الأكثر راحة وجاذبية، وكان يعمل في المقهى عاملان ، تسمع مناداتهم في تجهيز الطلبات، الشاي والقهوة واليانسون والبابونج والمشروبات الغازية الباردة ... (واحد شاي وصلحو... ثلاثة شاي وواحد سكر خفيف... أربعة قهوة يا باشا...)، وكان النزلاء يلعبون الورق (الشَّدة) والضامة وآخرون يتبادلون أطراف الحديث في السياسة والشعر والقصة والرياضة...، كان من رواد المقهى الأستاذ الشاعر جمال حمادة وصديقه خميس أبو طواحين، مدرس اللغة العربية، كما كان المقهى ملتقى المدرسين من أبناء المخيم العاملين في مصر والسعودية والكويت وقطر أثناء إجازاتهم الصيفية وعودتهم إلى غزة لقضاء الاجازة بين أهلهم وذويهم وأصحابهم.  هكذا، ظل المقهى محطة من محطات المخيم ومنارة من مناراته المجتمعية والثقافية والسياسية، فيه يلتقي وينطلق رجال الصُلح والقضاء، وفيه يتسامر ويتناقش ويتثاقف أهل العلم والثقافة، إلى أن وقعت حرب حزيران 1967م، فخرج الفدائي الحاج موسى إلى جبهة القتال والدفاع عن غزة العِزة، حيث جبهة المنطار، وصار ما صار، وما أن وضعت الحرب أوزارها، وحلتْ النكسة، وجد الحاج موسى نفسه مع الكثير من الأصدقاء والرفاق في الأردن، حيث مكث فيه سنوات 1967- 1968- 1969 - 1970م، عاصر أحداث أيلول الأسود، فشدَّ الرحال وأسرته التي سبق وأن التحقت به في عمان العام 1968 إلى القاهرة، ليتابع مسيرته الكفاية كما غيره من المناضلين. عاشت الأسرة في القاهرة، كبر الأبناء الستة (صلاح، مرعي، معين، رفيق، محمد وأحمد) وثلاث بنات (رئيسة، سميرة وفايزة)، نموا وترعرعوا في كنف والديهم، فقد وفرَّ لهم والدهم الحاج موسى ووالدتهم الحاجة أم صلاح الحياة الكريمة، فتعلموا في مراحل التعليم التقليدية الابتدائية والاعدادية والثانوية، والتحقوا بجامعات مصر وتخرجوا منها بتخصصات مختلفة، فكان منهم الأستاذ والقاضي والعميد والإداري والحكيم والدكتورة في الأدب العربي، وتبوأوا وظائف في الوطن وخارجه، لكن الفاجعة كانت في الابن "رفيق"، الذي ارتقى إلى السماء شهيداً، غريقاً في بحر مدينة "الخُمس" في ليبيا، أثناء دراسته الجامعية هناك في سنة 1991،رحمه الله.  تابع الحاج موسى مشواره، فتح بيته في منطقة عين شمس بالقاهرة للأهل والأصدقاء وكان هو وصديقاه "أبو شوقي الغول ورزق أحمد العرابيد" عوناً للجميع، يساعدون أبناء قطاع غزة في أمورهم الصعبة إلى أن عادت قيادة وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية وقامت السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية وقطاع غزة، فعاد الحاج موسى مع العائدين إلى الجزء المتاح لنا من الوطن في 1995م، لكن فات الوقت عمراً ولم يكن باستطاعتة أن يُغيد فتح المقهى، الذي كان قد أغلق في أعقاب حرب حزيران 1967م، فقضى ما تبقى له من سنوات العمر بين أبنائه وبناته وأحفاده الذين توزعوا ما بين غزة وبلدان أخرى.  ظل الحاج موسى "أبو صلاح" الرجل المكافح والمناضل، الخادم لأهله وذويه ولوطنه، عميداً لعائلة كريزم داخل الوطن وخارجه، محافظاً على صلاته وصيامه، محبوباً بين الجميع، الأهل والمعارف والجيران، إلى أن كان قدر الله واختاره لجواره في 23 أبريل 2009م في القاهرة.  رحم الله الحاج موسى اسماعيل كريزم بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.

بقلم/ محمود روقة " أبو صخر "

وُلِدَ الحاج/ موسى كريزم بتاريخ 25 مايو/ أيَّار 1926م في قرية "هربيا" الواقعة في قضاء #غزة، على بعد 15 كم من مدينة غزة شمالاً، تطل على البحر الأبيض المتوسط غرباً.

تزوج والده اسماعيل حسن كريزم ثلاثاً، فغدا للحاج موسى أخوة من زوجة أبيه الأولى: (حسن وعلي)، ومن زوجة أبيه الثانية: (أخويه، عبد القادر وذياب وأخته فاطمة)، وأشقائه من أمه - الزوجة الثالثة لأبيه - (خالد ومصباح وثلاث شقيقات)، كان هو أوسطهم.

من عائلة مزارعة، حيث كان والده (إسماعيل) مزارعاً في بيارته، التي كانت كما بيارات #هربيا والقرى المجاورة تختص بزراعة الحمضيات وفي مقدمتها البرتقال والليمون، وأنواع فواكه أخرى، كما زراعة القمح والشعير في الأراضي التي كان يسمونها (المارس)، إذ كان الأبناء يزرعون ويفلحون مع والدهم.

إلتحق الطفل موسى بمدرسة القرية، ولم يرق له مدرس الصف، وليترك المدرسة مبكراً، فعلم نفسه بنفسه واستطاع مع أخيه الأصغر، الذي وصل الصف الرابع الابتدائي أن يتمكن من القراءة والكتابة، رغم أنه ظل ملازماً لوالده في البيارة والحراثة والزراعة والحصاد، فكان الأفطن والأنجح من بين اخوته وأقرانه.

كبر الفتى موسى وراح مع أصحابه يشاكسون الإنجليز في معسكرهم القريب، متسللين إليه ليلاً ويأخذون ما يقع تحت أيديهم من غنائم.
تمر الأشهر ويتزوج الشاب موسى من صاحبة النصيب "آمنة أحمد حسين سالم" ، ابنة قرية "الجية" في يوليو/ تموز 1945م، ويواصل الشاب حياته مع عروسه في الأسرة الكبيرة، يعيشون حياة القرى والمدن الفلسطينية تحت بؤس الانتداب البريطاني وهجمات العصابات الصهيونية، التي بدأت تتململ لتنفيذ مخططها العدواني.

وقعت نكبة فلسطين سنة 1948م، وعلى إثرها هُجِّرَتْ الغالبية العظمى من السكان، فكانت وجهة عائلة الحاج موسى إلى غزة جنوباً، فسكنوا "حي الصبرة"، وفي هذه الأثناء، مرضتْ والدته، فباع فرسه مُضطراً، رغم أنها كانت من أعز ما يملك، فكانت تعني له الكثير، باعها ليشتري لوالدته العلاج والدواء.

بقلم/ محمود روقة " أبو صخر " ُلِدَ الحاج/ موسى كريزم بتاريخ 25 مايو/ أيَّار 1926م في قرية "هربيا" الواقعة في قضاء #غزة، على بعد 15 كم من مدينة غزة شمالاً، تطل على البحر الأبيض المتوسط غرباً. تزوج والده اسماعيل حسن #كريزم ثلاثاً، فغدا للحاج موسى أخوة من زوجة أبيه الأولى: (حسن وعلي)، ومن زوجة أبيه الثانية: (أخويه، عبد القادر وذياب وأخته فاطمة)، وأشقائه من أمه - الزوجة الثالثة لأبيه - (خالد ومصباح وثلاث شقيقات)، كان هو أوسطهم.  من عائلة مزارعة، حيث كان والده (إسماعيل) مزارعاً في بيارته، التي كانت كما بيارات #هربيا والقرى المجاورة تختص بزراعة الحمضيات وفي مقدمتها البرتقال والليمون، وأنواع فواكه أخرى، كما زراعة القمح والشعير في الأراضي التي كان يسمونها (المارس)، إذ كان الأبناء يزرعون ويفلحون مع والدهم. إلتحق الطفل موسى بمدرسة القرية، ولم يرق له مدرس الصف، وليترك المدرسة مبكراً، فعلم نفسه بنفسه واستطاع مع أخيه الأصغر، الذي وصل الصف الرابع الابتدائي أن يتمكن من القراءة والكتابة، رغم أنه ظل ملازماً لوالده في البيارة والحراثة والزراعة والحصاد، فكان الأفطن والأنجح من بين اخوته وأقرانه.  كبر الفتى موسى وراح مع أصحابه يشاكسون الإنجليز في معسكرهم القريب، متسللين إليه ليلاً ويأخذون ما يقع تحت أيديهم من غنائم. تمر الأشهر ويتزوج الشاب موسى من صاحبة النصيب "آمنة أحمد حسين سالم" ، ابنة قرية "الجية" في يوليو/ تموز 1945م، ويواصل الشاب حياته مع عروسه في الأسرة الكبيرة، يعيشون حياة القرى والمدن الفلسطينية تحت بؤس الانتداب البريطاني وهجمات العصابات الصهيونية، التي بدأت تتململ لتنفيذ مخططها العدواني. وقعت #نكبة_فلسطين سنة 1948م، وعلى إثرها هُجِّرَتْ الغالبية العظمى من السكان، فكانت وجهة عائلة الحاج موسى إلى غزة جنوباً، فسكنوا "حي الصبرة"، وفي هذه الأثناء، مرضتْ والدته، فباع فرسه مُضطراً، رغم أنها كانت من أعز ما يملك، فكانت تعني له الكثير، باعها ليشتري لوالدته العلاج والدواء.   اعتاد الناس في سنوات اللجوء الأولى أن يعودوا إلى قراهم المجاورة ويجلبوا ما تبقى من أشيائهم وخزائن طحينهم وقمحهم وشعيرهم... إلخ، ذات مرة وهم عائدون من هريبا انفجر لغم فيهم، فأصاب والده وأخاه الصغير "مصباح"، وتمت معالجتهما في مستشفى غزة، ويتوقف التسلل الشعبي العشوائي باتجاه القرى المُهجَّرة، وسكنت الأوضاع قليلاً.  جاءت الوكالة (الأونروا) وتكفلت بمساعدة وتشغيل اللآجئين الفلسطينيين فأنشأت مخيمات الكرميد ومنها مخيم الشاطئ في العام 1951م، فانتقلت إليه العائلة، وأصبحت تحمل كما غيرها من العائلات الفلسطينية اللآجئة بطاقة لآجىء، يحصلون من خلالها على التموين الغذائي والصحة والتعليم وأمور حياتية أخرى.  لم تمضِ سنوات طويلة، وبسبب ضيق وضنك الحياة في المخيم وقلة فرص العمل، قرر الشاب موسى السفر إلى المملكة العربية السعودية كما الكثير من أبناء قطاع غزة آنذاك في العام 1954م، فعمل هناك نجاراً...، إلا أنه لم يلبث طويلاً، ليقرر العودة إلى القطاع بعد أداء فريضة الحج والطواف بالكعبة المشرفة، ومن يومها أصبح الكل ينادونه بالحاج موسى. كان قطاع غزة يموج بالعمل السياسي والعسكري، فانضم الحاج موسى لمجموعات العمل الفدائي تحت قيادة البطل المصري "مصطفى حافظ" إذ كانوا يحرسون الحدود الشمالية للقطاع، بل ويدخلون في عمق الأرض المحتلة شمالاً، ينفذون أعمالاً فدائية ضد أهداف إسرائيلية... وهكذا، إلى أن شنت إسرائيل وفرنسا وبريطانيا عدوانها الثلاثي في سنة 1956م على مصر وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية آنذاك، فاحتلته إسرائيل قرابة الأربعة أشهر، حيث غاب الحاج موسى طوال تلك الفترة، ليعود بعد جلاء القوات الإسرائيلية عن القطاع وعودة الإدارة المصرية في يوليو 1957م.  فكر الحاج موسى بعمل إضافي إلى جانب عمله الحكومي، ومن هنا جاءت فكرة انشاء المقهى، الذي كان قريباً من شاطئ البحر ويعمل به عامل واحد فقط ويفتح بعد الظهر، وظل كذلك إلى أن حصل الحاج موسى على قطعة أرض، أقام عليها المقهى وبيت العائلة، وغدا المقهى عنواناً ومعلماً مشهوراً في المخيم حتى يومنا الحاضر (قهوة كريزم)، حيث يقع في الجزء الغربي من شارع حميد، ليس بعيداً من مدرسة العالية للبنات. واجه الحاج موسى الصعاب في بناء المقهى، فمن ناحية مشكلة المياه، إذ لم تكن قد مُدَّتْ شبكة المياه، كما أن غياب الكهرباء، كانت المشكلة الثانية، أما مشكلة المشاكل فكانت رخصة العمل ووجود المقهى في هذا المكان، إذ كانت هناك بعض الاعتراضات من محيط المقهى، إلا أن الحاج موسى استطاع التغلب عليها كلها. بنى خزان مياه، إذ كان يملأه بالماء بواسطة نقله بالصفائح (تنك الصفيح) بالأجرة، وأنار المقهى ليلاً بكهارب الكاز ذات الشنبر (اللوكس)، كما تغلب على منع العمل وحصل على الرخصة وافتتح المقهى رسمياً في العام 1961م.  كان مقهى كريزم محطة للقاء الشباب وصُحبة البلاد، الذين وجدوا فيه امتداداً للتواصل مع الأخبار والثقافة طوال اليوم، وكانت كهاربه تشع بنورها لتُضيئ الحارة كلها، فكان المكان مؤنساً بحركة الداخلين والخارجين والجالسين في المقهى حتى منتصف الليل، فكانت الجلسة الداخلية (داخل المقهى) والجلسة الخارجية (المعرش) خارج المقهى، ويتسابق الشباب والرجال لحجز أماكنهم الأكثر راحة وجاذبية، وكان يعمل في المقهى عاملان ، تسمع مناداتهم في تجهيز الطلبات، الشاي والقهوة واليانسون والبابونج والمشروبات الغازية الباردة ... (واحد شاي وصلحو... ثلاثة شاي وواحد سكر خفيف... أربعة قهوة يا باشا...)، وكان النزلاء يلعبون الورق (الشَّدة) والضامة وآخرون يتبادلون أطراف الحديث في السياسة والشعر والقصة والرياضة...، كان من رواد المقهى الأستاذ الشاعر جمال حمادة وصديقه خميس أبو طواحين، مدرس اللغة العربية، كما كان المقهى ملتقى المدرسين من أبناء المخيم العاملين في مصر والسعودية والكويت وقطر أثناء إجازاتهم الصيفية وعودتهم إلى غزة لقضاء الاجازة بين أهلهم وذويهم وأصحابهم.  هكذا، ظل المقهى محطة من محطات المخيم ومنارة من مناراته المجتمعية والثقافية والسياسية، فيه يلتقي وينطلق رجال الصُلح والقضاء، وفيه يتسامر ويتناقش ويتثاقف أهل العلم والثقافة، إلى أن وقعت حرب حزيران 1967م، فخرج الفدائي الحاج موسى إلى جبهة القتال والدفاع عن غزة العِزة، حيث جبهة المنطار، وصار ما صار، وما أن وضعت الحرب أوزارها، وحلتْ النكسة، وجد الحاج موسى نفسه مع الكثير من الأصدقاء والرفاق في الأردن، حيث مكث فيه سنوات 1967- 1968- 1969 - 1970م، عاصر أحداث أيلول الأسود، فشدَّ الرحال وأسرته التي سبق وأن التحقت به في عمان العام 1968 إلى القاهرة، ليتابع مسيرته الكفاية كما غيره من المناضلين. عاشت الأسرة في القاهرة، كبر الأبناء الستة (صلاح، مرعي، معين، رفيق، محمد وأحمد) وثلاث بنات (رئيسة، سميرة وفايزة)، نموا وترعرعوا في كنف والديهم، فقد وفرَّ لهم والدهم الحاج موسى ووالدتهم الحاجة أم صلاح الحياة الكريمة، فتعلموا في مراحل التعليم التقليدية الابتدائية والاعدادية والثانوية، والتحقوا بجامعات مصر وتخرجوا منها بتخصصات مختلفة، فكان منهم الأستاذ والقاضي والعميد والإداري والحكيم والدكتورة في الأدب العربي، وتبوأوا وظائف في الوطن وخارجه، لكن الفاجعة كانت في الابن "رفيق"، الذي ارتقى إلى السماء شهيداً، غريقاً في بحر مدينة "الخُمس" في ليبيا، أثناء دراسته الجامعية هناك في سنة 1991،رحمه الله.  تابع الحاج موسى مشواره، فتح بيته في منطقة عين شمس بالقاهرة للأهل والأصدقاء وكان هو وصديقاه "أبو شوقي الغول ورزق أحمد العرابيد" عوناً للجميع، يساعدون أبناء قطاع غزة في أمورهم الصعبة إلى أن عادت قيادة وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية وقامت السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية وقطاع غزة، فعاد الحاج موسى مع العائدين إلى الجزء المتاح لنا من الوطن في 1995م، لكن فات الوقت عمراً ولم يكن باستطاعتة أن يُغيد فتح المقهى، الذي كان قد أغلق في أعقاب حرب حزيران 1967م، فقضى ما تبقى له من سنوات العمر بين أبنائه وبناته وأحفاده الذين توزعوا ما بين غزة وبلدان أخرى.  ظل الحاج موسى "أبو صلاح" الرجل المكافح والمناضل، الخادم لأهله وذويه ولوطنه، عميداً لعائلة كريزم داخل الوطن وخارجه، محافظاً على صلاته وصيامه، محبوباً بين الجميع، الأهل والمعارف والجيران، إلى أن كان قدر الله واختاره لجواره في 23 أبريل 2009م في القاهرة.  رحم الله الحاج موسى اسماعيل كريزم بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.

اعتاد الناس في سنوات اللجوء الأولى أن يعودوا إلى قراهم المجاورة ويجلبوا ما تبقى من أشيائهم وخزائن طحينهم وقمحهم وشعيرهم... إلخ، ذات مرة وهم عائدون من هريبا انفجر لغم فيهم، فأصاب والده وأخاه الصغير "مصباح"، وتمت معالجتهما في مستشفى غزة، ويتوقف التسلل الشعبي العشوائي باتجاه القرى المُهجَّرة، وسكنت الأوضاع قليلاً.

جاءت الوكالة (الأونروا) وتكفلت بمساعدة وتشغيل اللآجئين الفلسطينيين فأنشأت مخيمات الكرميد ومنها مخيم الشاطئ في العام 1951م، فانتقلت إليه العائلة، وأصبحت تحمل كما غيرها من العائلات الفلسطينية اللآجئة بطاقة لآجىء، يحصلون من خلالها على التموين الغذائي والصحة والتعليم وأمور حياتية أخرى.

لم تمضِ سنوات طويلة، وبسبب ضيق وضنك الحياة في المخيم وقلة فرص العمل، قرر الشاب موسى السفر إلى المملكة العربية السعودية كما الكثير من أبناء قطاع غزة آنذاك في العام 1954م، فعمل هناك نجاراً...، إلا أنه لم يلبث طويلاً، ليقرر العودة إلى القطاع بعد أداء فريضة الحج والطواف بالكعبة المشرفة، ومن يومها أصبح الكل ينادونه بالحاج موسى.

كان قطاع غزة يموج بالعمل السياسي والعسكري، فانضم الحاج موسى لمجموعات العمل الفدائي تحت قيادة البطل المصري "مصطفى حافظ" إذ كانوا يحرسون الحدود الشمالية للقطاع، بل ويدخلون في عمق الأرض المحتلة شمالاً، ينفذون أعمالاً فدائية ضد أهداف إسرائيلية... وهكذا، إلى أن شنت إسرائيل وفرنسا وبريطانيا عدوانها الثلاثي في سنة 1956م على مصر وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية آنذاك، فاحتلته إسرائيل قرابة الأربعة أشهر، حيث غاب الحاج موسى طوال تلك الفترة، ليعود بعد جلاء القوات الإسرائيلية عن القطاع وعودة الإدارة المصرية في يوليو 1957م.

فكر الحاج موسى بعمل إضافي إلى جانب عمله الحكومي، ومن هنا جاءت فكرة انشاء المقهى، الذي كان قريباً من شاطئ البحر ويعمل به عامل واحد فقط ويفتح بعد الظهر، وظل كذلك إلى أن حصل الحاج موسى على قطعة أرض، أقام عليها المقهى وبيت العائلة، وغدا المقهى عنواناً ومعلماً مشهوراً في المخيم حتى يومنا الحاضر (قهوة كريزم)، حيث يقع في الجزء الغربي من شارع حميد، ليس بعيداً من مدرسة العالية للبنات.

واجه الحاج موسى الصعاب في بناء المقهى، فمن ناحية مشكلة المياه، إذ لم تكن قد مُدَّتْ شبكة المياه، كما أن غياب الكهرباء، كانت المشكلة الثانية، أما مشكلة المشاكل فكانت رخصة العمل ووجود المقهى في هذا المكان، إذ كانت هناك بعض الاعتراضات من محيط المقهى، إلا أن الحاج موسى استطاع التغلب عليها كلها. بنى خزان مياه، إذ كان يملأه بالماء بواسطة نقله بالصفائح (تنك الصفيح) بالأجرة، وأنار المقهى ليلاً بكهارب الكاز ذات الشنبر (اللوكس)، كما تغلب على منع العمل وحصل على الرخصة وافتتح المقهى رسمياً في العام 1961م.

كان مقهى كريزم محطة للقاء الشباب وصُحبة البلاد، الذين وجدوا فيه امتداداً للتواصل مع الأخبار والثقافة طوال اليوم، وكانت كهاربه تشع بنورها لتُضيئ الحارة كلها، فكان المكان مؤنساً بحركة الداخلين والخارجين والجالسين في المقهى حتى منتصف الليل، فكانت الجلسة الداخلية (داخل المقهى) والجلسة الخارجية (المعرش) خارج المقهى، ويتسابق الشباب والرجال لحجز أماكنهم الأكثر راحة وجاذبية، وكان يعمل في المقهى عاملان ، تسمع مناداتهم في تجهيز الطلبات، الشاي والقهوة واليانسون والبابونج والمشروبات الغازية الباردة ... (واحد شاي وصلحو... ثلاثة شاي وواحد سكر خفيف... أربعة قهوة يا باشا...)، وكان النزلاء يلعبون الورق (الشَّدة) والضامة وآخرون يتبادلون أطراف الحديث في السياسة والشعر والقصة والرياضة...، كان من رواد المقهى الأستاذ الشاعر جمال حمادة وصديقه خميس أبو طواحين، مدرس اللغة العربية، كما كان المقهى ملتقى المدرسين من أبناء المخيم العاملين في مصر والسعودية والكويت وقطر أثناء إجازاتهم الصيفية وعودتهم إلى غزة لقضاء الاجازة بين أهلهم وذويهم وأصحابهم.

هكذا، ظل المقهى محطة من محطات المخيم ومنارة من مناراته المجتمعية والثقافية والسياسية، فيه يلتقي وينطلق رجال الصُلح والقضاء، وفيه يتسامر ويتناقش ويتثاقف أهل العلم والثقافة، إلى أن وقعت حرب حزيران 1967م، فخرج الفدائي الحاج موسى إلى جبهة القتال والدفاع عن غزة العِزة، حيث جبهة المنطار، وصار ما صار، وما أن وضعت الحرب أوزارها، وحلتْ النكسة، وجد الحاج موسى نفسه مع الكثير من الأصدقاء والرفاق في الأردن، حيث مكث فيه سنوات 1967- 1968- 1969 - 1970م، عاصر أحداث أيلول الأسود، فشدَّ الرحال وأسرته التي سبق وأن التحقت به في عمان العام 1968 إلى القاهرة، ليتابع مسيرته الكفاية كما غيره من المناضلين.

عاشت الأسرة في القاهرة، كبر الأبناء الستة (صلاح، مرعي، معين، رفيق، محمد وأحمد) وثلاث بنات (رئيسة، سميرة وفايزة)، نموا وترعرعوا في كنف والديهم، فقد وفرَّ لهم والدهم الحاج موسى ووالدتهم الحاجة أم صلاح الحياة الكريمة، فتعلموا في مراحل التعليم التقليدية الابتدائية والاعدادية والثانوية، والتحقوا بجامعات مصر وتخرجوا منها بتخصصات مختلفة، فكان منهم الأستاذ والقاضي والعميد والإداري والحكيم والدكتورة في الأدب العربي، وتبوأوا وظائف في الوطن وخارجه، لكن الفاجعة كانت في الابن "رفيق"، الذي ارتقى إلى السماء شهيداً، غريقاً في بحر مدينة "الخُمس" في ليبيا، أثناء دراسته الجامعية هناك في سنة 1991،رحمه الله.

تابع الحاج موسى مشواره، فتح بيته في منطقة عين شمس بالقاهرة للأهل والأصدقاء وكان هو وصديقاه "أبو شوقي الغول ورزق أحمد العرابيد" عوناً للجميع، يساعدون أبناء قطاع غزة في أمورهم الصعبة إلى أن عادت قيادة وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية وقامت السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية وقطاع غزة، فعاد الحاج موسى مع العائدين إلى الجزء المتاح لنا من الوطن في 1995م، لكن فات الوقت عمراً ولم يكن باستطاعتة أن يُغيد فتح المقهى، الذي كان قد أغلق في أعقاب حرب حزيران 1967م، فقضى ما تبقى له من سنوات العمر بين أبنائه وبناته وأحفاده الذين توزعوا ما بين غزة وبلدان أخرى.

ظل الحاج موسى "أبو صلاح" الرجل المكافح والمناضل، الخادم لأهله وذويه ولوطنه، عميداً لعائلة كريزم داخل الوطن وخارجه، محافظاً على صلاته وصيامه، محبوباً بين الجميع، الأهل والمعارف والجيران، إلى أن كان قدر الله واختاره لجواره في 23 أبريل 2009م في القاهرة.

رحم الله الحاج موسى اسماعيل كريزم بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
تعليقات