بقلم:الكاتب محمود روقة
والده جابر صالح حسين الغول، كان يعمل ممرضاً في الجيش التركي، وقد تنقل مع الجيش إلى اليمن وألبانيا، وعاش فترة طويلة في اسطنبول ليعود إلى هربيا بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، ليعمل وأبنائه في الزراعة والنقل، فقد مدَّ الله بعمره إلى أن تُوفي في صيف 1986م في غزة عن عمر ناهز المائة وعشر سنوات.
عمل الشاب فارس مع والده واخوته في الزراعة والنقل وعانوا كما أهل القرية وعموم فلسطين ظلم الانتداب البريطاني ومن ثم عدوان العصابات الصهيونية المدعومة من بريطانيا العظمى إلى أن عمت البلاد نكبة العام 1948، بعد مقاومة فلسطينية للأسف الشديد غير مدعومة من دول الجوار، استشهد شقيقه "محمد" أثناء حرب 48،الذي كان يكبره بعام واحد في معركة دير سنيد الشهيرة، فكانت الهجرة القسرية للعائلة كما عائلات القرية قسراً إلى غزة جنوباً، ليسكنوا الخيام ومن بعدها سكنوا بيوت الكرميد في مخيم الشاطئ، الذي أنشأته وكالة الغوث (الأونروا) في العام 1951م.
كان فارس قد تزوج ابنة عمه "حورية رجب حسين الغول" في العام 1947،رزقهما الله أربعة أبناء وخمس بنات (فريدة، رسمية، صبحية، بشير، باسمة، كريمة ، أكرم ، وائل وفرج)، وفي العام 1948 تزوج "نظمية محمد علي العرابيد"، فرزقهما الله خمس بنات وثلاثة أبناء (زبيدة، هيام، آمال، آسيا، مروان، فريال، ناصر وأشرف).
لقد شارك شاباً في أعمال المقاومة، مقاتلاً ضد العصابات الصهيونية في حرب 1948، ومشاركاً رفاقه في القوات المصرية هجومهم آنذاك مستوطنة "يد مردخاي" الصهيونية القريبة من هربيا والمجدل، وظل منتمياً إلى المقاومة بعد الهجرة القسرية في 1948 حتى العام 1967 مروراً بالعدوان الثلاثي سنة 1956،إذ كان ناشطاً في المجموعات الفدائية التي شكلها الشهيد مصطفى حافظ، الضابط المصري، الذي قاد المقاومة ضد الكيان الصهيوني من حدود قطاع غزة، وتابعت من بعد استشهاده تحت اسم فدائيي الشهيد مصطفى حافظ.
اختارته عائلته الكبيرة (عائلة الغول) ليكون مختارها وعميدها بعد وفاة الحاج المختار "محمد حسن الغول"، وليواصل الدرب، درب العطاء والاصلاح والحفاظ على الموروث المجتمعي والوطني حتى آخر يوم في حياته، فكان ديوانه العامر ملجاءً ومجلساً للصلح والسلم المجتمعي، يستقبل كل من يقصده ولا يرد أحداً دون قضاء حاجته وانصاف الطالب والمطلوب بالحق.
لقد شهد ديوان العائلة على توقيع وثيقة شرف بين الجهات السياسية والمجتمعية - مؤيد ومعارض - في مخيم الشاطئ حقبة توقيع اتفاق اوسلو 1993م، وكغيره من رجال العشائر والاصلاح في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية عهدت إليه السلطة القضائية بعض الحالات لإيجاد الحلول لها وخاصة تلك المعقدة منها، ولينجح في الكثير منها، فقد سخر كل امكانياته لرأب الصدع أثناء انقسام العام 2007م لتجنيب طرفي الانقسام مستنقع الدم، فنجح في موقع ولم يُوفق في آخر، وظل واخوته رجال العشائر والاصلاح حريصين على حفظ السلم الأهلي.
حرص الحاج فارس وزوجتاه على تربية وتعليم البنات والأبناء، فقد كانت زوجتاه أم بشير وأم مروان السند الداعم له، فغدا الأبناء في الأماكن والوظائف المشرفة:
- بشير، درس العلوم السياسية والاقتصادية في مملكة السويد عام 1978، ومازال هناك يعمل في مجال الترجمة والأعمال الحرة.
- أكرم، درس الحقوق في جامعة بيروت العربية وحصل على درجة الماجستير من جامعة القاهرة، عمل محامياً ابان الانتفاضة الشعبية الكبرى، ومع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عُيِّن قاضياً في جهاز القضاء العسكري إلى أن استشهد في 3 يناير 2009م أثناء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، حيث قصف منزله في شمال غزة.
- مروان، درس الادارة والاقتصاد في الجامعة الأمريكية في القاهرة، ومع اندلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى عاد العام 1987، ليعمل صحفياً ومخرجاً تلفزيونياً، وقد نال العديد من الجوائز المحلية والإقليمية والعالمية على أعماله في مجال الصحافة والأفلام التي تناولت النضال الوطني التحرري منذ الانتفاضة وفي عام 2023 إنتخب من قبل عائلته ليكون مختارا.
- وائل، يعمل في مجال التجارة والأعمال الحرة.
- ناصر، صاحب مصنع نجارة، فهو نجار ماهر ومبدع في المحافظة على الطراز القديم.
- فرج، يعمل في مجال الزراعة ويدير شئون العائلة.
- أشرف، يعمل في مجال الاعلام المصور، متنقلاً بين الدول الأوروبية وجمهورية مصر العربية.
حافظ الحاج أبو بشير على خلقه وسمعته الطيبة، وظل وفيَّاً للكرامة والقيم المشرفة، محافظاً على صلاته وصيامه وقيامه إلى أن وافته المنية اثر جلطة دماغية يوم الجمعة الموافق 5 أيَّار 2011م، فشُيِّع جثمانه الطاهر في جنازة مهيبة من مسجد عيسى مراد بشمال غزة إلى المقبرة الشرقية بغزة.